الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»
وأول من سماه يوم الجمعة كعب بن لؤي بن غالب لاجتماع قريش فيه إلى كعب، وقيل بل سمي في الإسلام لاجتماع الناس فيه للصلاة.{وذروا البيع} منع الله منه عند صلاة الجمعة وحرمه في وقتها على ما كان مخاطباً بفرضها. وفي وقت التحريم قولان:أحدهما: أنه بعد الزوال إلى ما بعد الفراغ منها، قاله الضحاك.الثاني: من وقت أذان الخطبة إلى الفراغ من الصلاة، قاله الشافعي رحمه الله فأما الأذان الأول فمحدث، فعله عثمان بن عفان ليتأهب الناس به لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها، وقد كان عمر أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن بيوعهم، فإذا اجتمعوا أذن في المسجد، فجعله عثمان آذانين في المسجد، وليس يحرم البيع بعده وقبل الخطبة، فإن عقد في هذا الوقت المحرم بيع لم يبطل البيع وإن كان قد عصى الله، لأن النهي مختص بسبب يعود إلى العاقدين دون العقد، وأبطله ابن حنبل تمسكاً بظاهر النهي.{ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} يعني أن الصلاة خير لكم من البيع والشراء لأن الصلاة تفوت بخروج وقتها، والبيع لا يفوت.{فإذا قضيت الصلاة} يعني أُدّيتْ.{فانتشروا في الأرض} حكي عن عراك بن مالك أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فرضيتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.{وابتغوا من فضل الله} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: الرزق من البيع والشراء، قاله مقاتل والضحاك.الثاني: العمل في يوم السبت، قاله جعفر بن محمد.الثالث: ما رواه أبو خلف عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، قال: ليس بطلب الدنيا لكن من عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله.»
{قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة} يحتمل وجهين:أحدهما: ما عند الله من ثواب صلاتكم خير من لذة لهوكم وفائدة تجارتكم.الثاني: ما عند الله من رزقكم الذي قسمت لكم خير مما أصبتموه انفضاضكم من لهوكم وتجارتكم.{والله خير الرازقين} يحتمل وجهين:أحدهما: أن الله سبحانه خير من رَزَق وأعطى.الثاني: ورزق الله خير الأرزاق.
ويحتمل ثانياً: أن يكون ذلك محمولاً على ظاهره أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله اعترافاً بالإيمان ونفياً للنفاق عن أنفسهم، وهو الأشبه.وسبب نزول هذه الأية ما روى أسباط عن السدي أن عبد الله بن أبي بن سلول كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وفيها أعراب يتبعون الناس، وكان ابن أبي يصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم طعاماً، فاستقى أعرابي ماء في حوض عمله من أحجار، فجاء رجل من أصحاب ابن ابي بناقة ليسقيها من ذلك الماء فمنعه الأعرابي واقتتلا فشجه الاعرابي، فأتى الرجل إلى عبد الله بن أبي ودمه يسيل على وجهه، فحزنه، فنافق عبد الله وقال: ما لهم رد الله أمرهم إلى تبال، وقال لأصحابه: لا تأتوا محمداً بالطعام حتى يتفرق عنه الأعراب، فسمع ذلك زيد بن أرقم وكان حدثاً، فأخبر عمه، فأتى عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه، فبعث إلى ابن أبيّ وكان من أوسم الناس وأحسنهم منطقاً، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف: والذي بعثك بالحق ما قلت من هذا شيئاً، فصدقه فأنزل الله هذه الآية.{والله يعلم إنك لرسوله} أي إن نافق من نافقك من علم الله بأنك رسوله فلا يضرك.ثم قال: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} يحتمل وجهين:أحدهما: والله يقسم إن المنافقين لكاذبون في أيمانهم.الثاني: معناه والله يعلم أن المنافقين لكاذبون فيها.{اتخذوا أيمانهم جنة} والجنة: الغطاء المانع من الأذى، ومنه قول الأعشى ميمون. وفيه وجهان:أحدهما: من السبي والقتل ليعصموا بها دماءهم وأموالهم، قاله قتادة.الثاني: من الموت ألاَّ يُصلَّى عليهم، فيظهر على جميع المسلمين نفاقهم، وهذا معنى قول السدي.ويحتمل ثالثاً: جنة تدفع عنهم فضيحة النفاق.{فصدوا عن سبيل الله} فيه وجهان:أحدهما: عن الإسلام بتنفير المسلمين عنه.الثاني: عن الجهاد بتثبيطهم المسلمين وإرجافهم به وتميزهم عنهم، قال عمر بن الخطاب: ما أخاف عليكم رجلين: مؤمناً قد استبان إيمانه وكافر قد استبان كفره، ولكن أخاف عليكم منافقاً يتعوذ بالإيمان ويعمل بغيره.{وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} يعني حسن منظرهم وتمام خلقهم.{وإن يقولوا تسمع لقولهم} يعني لحسن منطقهم وفصاحة كلامهم.ويحتمل ثانياً: لإظهار الإسلام وذكر موافقتهم.{كأنهم خشب مسندة} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه شبههم بالنخل القيام لحسن منظرهم.الثاني: شبههم بالخشب النخرة لسوء مخبرهم.الثالث: أنه شبههم بالخشب المسندة لأنهم لا يسمعون الهدى ولا يقبلونه، كما لا تسمعه الخشب المسندة، قاله الكلبي، وقوله: {مسندة} لأنهم يستندون إلى الإيمان لحقن دمائهم.{يحسبون كل صيحة عليهم} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: أنهم لِوَجَلهم وخبثهم يحسبون كل صيحة يسمعونها- حتى لو دعا رجل صاحبه أو صاح بناقته- أن العدو قد اصطلم وأن القتل قد حَلَّ بهم، قاله السدي.الثاني: {يحسبون كل صيحة عليهم} كلام ضميره فيه ولا يفتقر إلى ما بعده، وتقديره: يحسبون كل صيحة عليهم أنهم قد فطن بهم وعلم فقال: {هم العدو فاحذرهم} وهذا معنى قول الضحاك.الثالث: يحسبون كل صيحة يسمعونها في المسجد أنها عليهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر فيها بقتلهم، فهم أبداً وجلون ثم وصفهم الله بأن قال: {هم العدو فاحذرهم} حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم.وفي قوله: {فاحذرهم} وجهان:أحدهما: فاحذر أن تثق بقولهم وتميل إلى كلامهم.الثاني: فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك.{قاتلهم الله} فيه وجهان:أحدهما: معناه لعنهم الله، قاله ابن عباس وأبو مالك.والثاني: أي أحلهم الله محل من قاتله عدو قاهر، لأن الله تعالى قاهر لكل معاند، حكاه ابن عيسى.وفي قوله: {أني يؤفكون} أربعة أوجه:أحدها: معناه يكذبون، قاله ابن عباس.الثاني: معناه يعدلون عن الحق، قاله قتادة.الثالث: معناه يصرفون عن الرشد، قاله الحسن.الرابع: معناه كيف يضل عقولهم عن هذا، قاله السدي.
|